حينما انتقلت إلى المرحلة الإعدادية درست في مدرسة عبدالرحمن الناصر، كان التنوع الديني والمذهبي للطلبة كبير، من بحرينيين وعرب وعجم، ندرس على طاولة واحدة في صف واحد، لم يفرقنا الانتماء وجمعتنا البحرين، وكذلك الحال حينما انتقلت إلى مدرسة الهداية الثانوية، ولم نتحسس من هوية أو مذهب أو دين أي طالب، لأن المجتمع المدرسي غرس في نفوسنا وعقولنا حب الوطن والمواطنة، وليس شيئا آخر.
أذكر في إحدى السنوات أنه حتى «هوشات» وعراك الطلبة عند المدارس، لم تكن على أساس مذهبي طائفي، وكان من الطبيعي جدا أن ترى مجموعات مختلطة تتعارك مع بعضها، ثم ينتهي الأمر مع دخول المدرسين لفك العراك، ويبدأ العقاب في الطابور الصباحي في اليوم التالي، وتنتهي القصة والحكاية.
في سوق المحرق حيث كان والدي رحمه الله يمتلك محلا تجاريا، كان بالقرب منه محلات لرجال البحرين من مختلف المذاهب والطوائف والديانات، من بحرينيين وعجم، وسنة وشيعة ويهود وهنود وعمانيين وغيرهم، وكان والدي يأخذني معه إلى القهوة الشعبية لتناول وجبة الإفطار وكانت عبارة عن «صحن باجلة مع خبز وشاي بالحليب»، ووجبة العشاء عبارة عن خبز بالدهن والسكر، وإذا أردنا أن «نتبحبح» نضع الخبز مع الحلوى البحرينية، وكان الجميع هناك من مختلف المذاهب والديانات، لم يعرفوا الفرقة والمذهبية والطائفية، وعلى هذا الأساس قامت مملكة البحرين منذ مئات السنين.كان طبيب الفريج الدكتور منصور الهندي، وطبيبة المحرق «أم جان»، وكان المعالجة الشعبية سيدة من الدير وتعمل لنا «القيري» والوصفات الطبية بالزعتر عند التهاب اللوز والحنجرة، وحتى لما كسرت ساقي عالجتني ووضعت الجبيرة الشعبية، وكانت عبارة جبس من «التمر».
تلك هي البحرين الجميلة التي عرفناها وعشناها وتربينا فيها وسوف نتمسك بها، وتلك هي البحرين الخالدة مجتمع التآخي والتعايش والمحبة.
جريدة أخبار الخليج
من قصص التآخي والتعايش البحريني
بقلم محميد المحميد
حينما كنت صغيرا وأسكن في بيت العائلة الكبيرة في حالة بوماهر بمدينة المحرق الشماء، كان يحيط بنا جيران من مختلف المذاهب والديانات، فعلى الجانب الأيمن كانت عائلة شيعية، وعلى الجانب الأيسر عائلة سنية، وخلفنا عائلة بهائية، وأمامنا عائلة شيرازية، وكانت الأسطح مفتوحة على الجميع للتسامر عند المساء، وكان في بيتنا نخلة كبيرة تقوم والدتي وخالتي بتوزيع الرطب على جميع الجيران وقت الحصاد.
وكانت المنطقة تزخر بدكاكين ومحلات برادات «القراشية»، ومحل للخضار لحجي عبدالله من سماهيج، ودكان حجي منصور للخنفروش، ومحل للسياكل، وكان هناك مسجد الزياني وبالقرب منه مآتم، وكانت هناك ساحة وبراحة ملعب مدرسة «الدوي»، وكنا نلعب فيها جمعينا من أبناء تلك العائلات وأصحاب المحلات، وندرس في مدرسة عمر بن عبدالعزيز الابتدائية التي تقع مقابل مدرسة الاستقلال الثانوية حاليا، وانتقلت إلى مبنى جديد بعد ذلك بالقرب من خفر السواحل في الحالة.
لم نكن نفرق بين سني وشيعي وبهائي وقراشي وغيرها، ولم نكن نعرف أصلا تلك المذاهب والديانات، جمعتنا ولا تزال البحرين، نشارك بعضنا في الأعياد ورمضان ومواسم عاشوراء وغيرها، وكنا نطلق على عاشوراء «أيام التحاريم»، وكنا نتابع مسيرة المواكب العزائية العاشورية في محرم قرب مسجد بيت مراد وصولا إلى مأتم العجم، والغريب أننا كنا نطالع المواكب من فوق أسطح البيوت كبيت السيد رحمه الله، حيث كان أصحاب البيوت بطبيعتهم الأصيلة يسمحون للصغار بذلك.
وعند الظهيرة نذهب للمأتم ونحمل «الجدر» لنحصل على الغداء، وكان عبارة عن وجبة عيش ولحم مع طبق «الآش»، وكنا نبحث عن «القطن الملطخ بالدم» داخل «الجدور»، كما كان يقال لنا، ولكننا لم نجد ذلك إطلاقا، وكان الأخوة الشيعة يضحكون ويمزحون من ذلك.
