التعايش طريق المستقبل
دور التربية والتعليم في تعزيز ثقافة التعايش
وحتى نصل إلى هذا المستوى من الرقي والفهم والإدراك والإحساس بالمسؤولية، يجب أن لا نعمل بمعزل عن النسيج الاجتماعي ،هذا الخليط من أجناس وأديان ومذاهب وألوان. ويتوجب علينا الآن أن نخطو خطوة أخرى نحو تعزيز قيم التعايش والمواطنة الايجابية المعتمدة على الأخوة والوئام في عقول وقلوب الأطفال والناشئة الغضة، حتى نحصل على إنسان يستطيع التفاعل على مستوً عالمي مع أي شخص مهما اختلفت ثقافته واختلف أصله وفصله، إنسان يحترم التنوع و يرى فيه مصدر قوة وجمال.
ولتحقيق ذلك لابد من الإيمان الصادق والعميق بأن البشرية خلقت من إله واحد يشمل الجميع برحمته ولا يفرق بين خلقه، وما يميز الإنسان هو العمل وفق المبادئ الإنسانية. إن الإيمان العميق بهذا المبدأ يولد القاعدة الأساسية لقبول الآخر ونبذ التعصب بأنواعه. إن التعصب بمختلف أشكاله (عرقي كان أو طبقي، أو ديني، متصل باللون أو بالجنس أو بمستوى الرقي المادي) يتغذى على الجهل ويخلق الشعور بالغرور والتعالي على الآخرين، فعندما تجهل مجموعة من الناس هذه المفاهيم الأساسية يصبح من السهل إقناعها بأن هناك مجموعة من الناس أدنى منها. ومن هنا تكمن أهمية توعية الأطفال والناشئة بخطورة التعصب بمختلف أشكاله، وما يقابل ذلك من مفهوم أن الجنس البشري واحد في أصله. عليهم أن يتعلموا نبذ هذه الآفة حتى لا يقعوا ضحية هذا الجهل، وأن لا يسمحوا لهذه الاختلافات أن تشكل حواجز بينهم بل على العكس أن يروا بعضهم أزهاراً مختلفة في حديقة الإنسانية الجميلة ويسعدوا بوجودهم مع بعض والعمل معاً لخدمة وبناء مجتمعهم، فالمجتمع بحاجة الى مساهمة الجميع لكي يتقدم ويزدهر.
من المهم أن نتخطى مجرد تقديم معلومات للتلاميذ في المرحلة التأسيسية إلى فهمٍ أعمق لمفهوم المواطنة الإيجابية وارتباطها الوثيق بثقافة التعايش وتطبيقها على أرض الواقع. فتزويدهم بالمعلومات فقط لايكفي لغرس مفاهيم التعايش لديهم، ولايمكننا ربط المعرفة بالمعلومات فقط، بل يجب العمل على رفع مستوى الوعي وزيادة الفهم والإدراك لكي يؤثر في أنماط الفكر والسلوك لديهم. فعلى سبيل المثال عند دراسة مفهوم التعايش معهم، لا يمكننا أن نتغاضى عن المفاهيم التالية:
-
نبل الجنس البشري.
-
الآثارالسلبية للتعصبات بأنواعها ومسسبباتها.
-
أهمية اتحاد وتماسك المجتمع لتقدمه وإزدهاره.
عُرفت البحرين منذ القدم بأنها ملتقى الحضارات نظراً لموقعها الاستراتيجي وطبيعتها الجغرافية التي أثرت في تشكل طبيعة سكانها الذين امتازوا بطيبة الأخلاق والقدرة على العيش في وئام مع الآخرين. وهناك دلالات كثيرة في تاريخ البحرين منذ عصر دلمون إلى مملكة البحرين اليوم، تشهد بتعايش من على أرضها على اختلاف أعراقهم ومذاهبهم ودياناتهم وطبقاتهم الاجتماعية.
وقد عزز هذا المفهوم جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه، عندما قام بعدة مبادرات على غِرار «إعلان مملكة البحرين» والإعلان الرسمي عن تدشين «مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي» فجلالته هو أول من بدأ بلفت انتباه العالم بهذا الموضوع، فجعل من التعايش والتسامح بين الملل والأديان المختلفة حقيقة واقعية لا مجرد شعارات جوفاء. ومن أقوال جلالته حفظه الله ورعاه: "تاريخ البحرين ونهجها يقوم على التعايش والتعدد والتنوع بين مختلف الاتجاهات"
أما بالنسبة للوضع الراهن مع تقدم البشرية وتطوّر الإنسان وانفتاحه على العالم يوماً بعد يوم، وما نتج عن ذلك من فرص وامكانيات جديدة للعالم وتحديات تؤثر فينا ونتأثر بها، أصبح دور التربية والتعليم بالغ الأهمية في بناء ثقافة التعايش وترسيخ قيمها في الطفل والناشئة والشباب والمجتمع بأكمله.
ولا يخفى على أحد العواقب والآثار السلبية للتطرف ومدى تأثيرها الخطر في عالمنا اليوم وقدرته على التأثير في النفوس والعقول، ومن جهة أخرى تفشي سلوكيات استهلاكية شديدة تغذي الأنانية وحبّ الذات عند الإنسان، مما يؤدي إلى نخر وخلخلة النسيج الاجتماعي داخل الأسرة وخارجها، وما ينتج عن ذلك من أفكار خاطئة تصنف البشر بحسب الجنس والعرق والدين والطائفة والنسب والحالة المادية والاجتماعية، مما يجعل الناس تتعامل مع بعضها على هذا الأساس دون وعي وإدراك.
ولا شكّ أنّ الجميع يتحدث ويسعى كل السعي لتربية الأطفال وفق المبادئ السامية، لكننا لا نعي ونغفل الآثار السلبية الواردة على المجتمع عندما نستخدم عبارات من قبيل "نحن وهم"، "تربيتنا وتربيتهم"، " أصلنا وأصلهم"، وفي ساعة غضب ننسى المبادئ ونقلل من شأن الآخر في المجتمع.
إنّ حب الوطن واجب مقدس على أي إنسان يعيش في أي دولة من دول العالم فحب الوطن يجعل الإنسان يعمل من أجل تطوير وتقدم مجتمعه، يحترم مؤسسات بلده وقوانينها ويعمل على المحافظة على موارد البلد ومرافقه ويهتم بالبيئة والأمن والسلم.